Saturday 27 October 2018

عرفها حين كان في مقتبل العمر وكانت في مفتتح الانوثة
دخلت الصيدلية التي توسط له عمه للعمل فيها في اجازة الصيف، القت لفافة اموال وخرجت في توتر واضطراب تقف امام بابها، لم يفهم المقصد فنظر لصاحب الصيدلية الذي ابتسم وقام الى ركن الامور النسائية والتقط شئ ما لفه وناوله الكيس الاسود وفي هدوء متوتر خرج ليناولها اياه.
جميلة الحي هي لا تخطو خطوة فيه الا وتلفت الانظار اليها وتتكاثر الهمهمات والهمسات، لا لشئ يميز ملامحها عن غيرها لكن روحها كانت خاطفة،
مرت سنواته الجامعية كلمح البصر تونس بحبيبة لا يعلم لماذا أحبها ولا متى تركها. لكن فتاة الحي كانت تخطر بباله كلما لمح فتاة ترتدي وشاحا كذلك الذي كانت ترتديه يوم وقفت على باب الصيدلية منتظرة طلبها الذي استحت ان تطلبه
يذكر انه لمحها في عامه الأخير في الجامعة كانت في فصلها الأول
لكنه لم يكن على يقين انها هي
لم تكن تنظر ناحيته على الرغم من أنها صادقت بعض من أصدقائه
كذلك جرت العادة في كليته أن يسأل الصغار من سبقوهم سنوات عن المناهج والمحاضرين وما إلى ذلك.
كانت الفرصة سانحة لكنه لم يقوى أن يقتنصها.
دخل الصيدلية نفسها في صيف هذا العام ليبتاع اسبرين ولم يتسن ذهنه حين رأها تجلس في موضع جلسته حين دخل عليها المرة الأولى
لمحه صاحب الصيدلية فقام وصافحه وسأله عما ينوي فعله بعد التخرج وعن الجيش وما الى ذلك
كان ذهنه ملتفت اليها طوال وقت هذا الحديث في حين ان نظره لم يطرف ناحيتها ولا نظرها، كانت قد وضعت رأسها في كتاب ولم تلتفت عنه
في اجازة الجيش كان يعود الى حيه متفقدا  كل شئ يتأكد ان عالمه كما تركه
الدكاكين الناس الأرصفة والعجوز التي ترتصف اول شارعه وتحيي صباحه بغنائها وتبيع اي شئ يحسن به أهل الحي عليها، باكو شاي علبة كبريت ربما حذاء أو دودة قز او سلاح غير مرخص
كان يسير بين مفردات حيه باسما، لم يفتقد شئ في غيابه ولم يفتقده احد كان فقط يود ان يطمئن ان العالم لن يتغير في غيابه، وكانت هي إحدى أيقونات الحي. يلمحها في شرفة بيتها جوار جدتها تعلق الملابس على الحبال او تشربان شاي العصاري
إلا أنه في إجازته الخامسة لم يجدها في الشرفة في الصباح ولا في العصاري وجد مصابيح مطفأة بدلا منها وعلم من حكايات امه على الغداء انها تزوجت امس ولم يكن الأمر بالفاجعة بالنسبة له إحدى فتيات الحي تزوجت كما تتزوج الكثيرات كان يعرف أن له معها خصوصية ما لكن قطعا ليس حبا 
غير أنه حين صادفها في العمل كان الأمر مختلفا
صار ينتظر زيارتها لمكتبه، صارت مختلفة لكنها مازالت المألوف مازلت ما يجذبه الى عهد كان فيه اخف روحا واعباء 
لكن وجهها ايضا كان يشف عن الكثير من الاعباء 
تتحدث عن العمل ولا شئ غير العمل مع زميله في المكتب المقابل لا شئ يكشف انها تميز وجهه او تعرفه لم تحييه تحيه خاصة غير تحية المساء التي تلقيها على الجميع 
ونبرة حديثها في العمل محايدة تماما لا تحمل اي معني غير ما يتطلبه العمل ومناقشاته 

غير انه في ساعة الغداء سمع زملائه يتحدثون عنها 
 يقول احدهم انه سمعها تتحدث بحرية مع اخر ويقول الاخر انه لولا خطيبته لكان اقدم على خطبتها فقاطعه الاول قائلا مثلها نعرفهم  نستمتع بصحبتهم ولا نتزوجهم  
لا يعرف لما ثار على مثل ذلك الحديث وود لو زجرهم او اكد لهم انها فتاة محترمةمن عائلة طيبة ومتزوجة 
لكنه بعدها صار ينظر الى نافذة حجرتها كثيرا، وللعجب يرى خيالها واقفا  وصار يلمحها في الشرفة في موضعها القديم تقف وحيدة بلا جدتها تشرب قهوة ويظن انه لمح بعض دموعها